الرياض: فتح الرحمن يوسف
تشكل الفتاوى الصادرة من بعض الهيئات الشرعية التابعة للبنوك الإسلامية أو التقليدية التي لديها نوافذ إسلامية، بعض اللبس واللغط لدى المستثمرين الذي ينقسمون في ما بينهم بحسب انقاسامات الفتاوى وتعددها.
ومن أمثلة هذا التناقض ما تشهده بعض الأسهم التي يتم تداولها في السوق السعودية، التي يتناقلها المستثمرون الأفراد أكثر من غيرهم، خاصة أنها تنقسم إلى أسهم محرمة وأخرى جائزة واسهم مختلطة بين الجواز والتحري خاصة مع انتشار طرح الاكتتابات الأولية للشركات السعودية.
ورغم أهمية زرع ثقة المستثمر بسوق المال، خاصة في ظل الأداء الجيد غير المسبوق لمؤشرات الاقتصاد الكلي السعودي لأكثر من ثلاثة أو أربعة أعوام متتالية، إلا أن تضارب فتاوى الهيئات الشرعية في ما يتعلق بتحليل أو تحريم أسهم بعض الشركات يسبب بعض الفوضى وعدم الثقة في السوق.
وعادة ما يطرح المستثمرون الأفراد سؤالهم عند طرح أي أسهم لبعض الشركات كطرح أولي، وهو هل الاكتتاب في أسهم الشركة المعلن عن طرح أسهمها حلال أم حرام؟ وهل هي شركة مختلطة أم نقية؟ ويتعلق الأمر ذاته بما يحدث في البنوك ومدى التزامها بالمعايير التي أصدرتها هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية. وبحسب الخبير الاقتصادي الدكتور سيّد البشير عملت هيئة سوق المال، في أعقاب انهيار سوق الأسهم في فبراير (شباط) 2006، على إعادة الثقة بسوق المال السعودي، وزيادة عمق السوق باتخاذها العديد من الإجراءات، منها الموافقة على عدد كبير من الاكتتابات الجديدة، التي بلغت نحو 27 طرحا عام 2007 فقط، وبذلك ارتفع عدد الشركات المدرجة في سوق المال السعودي من 86 شركة في نهاية عام 2006، إلى أكثر من 100 شركة حالياً.
وبالإضافة إلى ذلك تم إبعاد حصص الحكومة من مؤشر التداول، مع تنظيم القطاعات وإطلاق المؤشر الحر، والحاجة الماسة إلى زيادة مستوى الشفافية والإفصاح عن نتائج شركات المساهمة السنوية، ومن ثم العمل على تثقيف وتوعية المستثمرين.
إن مثل هذه الأسئلة والحوار حولها، في نظر المصرفي محمد بن حمد العفالق، مدير الرقابة الشرعية بأحد البنوك السعودية، قد يكون مهماً لزرع ثقافة الحوار وتقبل الخلاف، ولكن زيادة الإطناب له أثر سلبي، إذ قد يقود إلى الدوران في حلقة مفرغة خاصة من غير المتخصصين في هذا المجال.
ومما يخفف هذا النقاش ويسقط طرفا منه ـ والحديث للعفالق ـ استبدال الشركات القروض الربوية المحرمة بتسهيلات متوافقة مع الشريعة الإسلامية. إذ انه من شأنه التقليل من الشركات المحرمة إن لم ينهها في القريب، خاصة أن النقاش بين الناس ينحصر حول المعايير الشرعية للأسهم المختلطة و نسب التطهير لمن تسلم أرباح من هذه الشركات. وأوضح انه بالرغم من أن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية أصدرت معاييرها للأسهم الشرعية، إلا أن معايير الأسهم المختلطة تختلف من بنك إلى آخر، والعجب يتبدى عند اكتشاف أن لكل بنك معاييره الخاصة، علما بأن معيار أحد البنوك يختلف عن معيار غيره من البنوك الأخرى، مع أن لها نفس الهيئة الشرعية، ولكن سهم الشركة المعينة لا يدخل في صناديق هذه البنوك بينما يدخل في صندوق البنوك الأخرى. إذن فكيف يستقيم ذلك؟
ويرى العفالق أن البنوك تحاول أن تقنع الهيئات الشرعية بالمعايير التي ترغب في اعتمادها، ولها الحق الكامل في ذلك، ولكن ألا يسوغ للمشايخ الأفاضل الطلب من البنوك الأخرى التي هم أعضاء فيها بالمعايير الجديدة وإعطاءهم وقتا معقولا للتغيير، إذ لا يعقل في رأيه التطبيق الفوري الذي يظن منه الإفساد أكثر من الإصلاح.
ويشير العفالق إلى أن الهيئة الشرعية لبعض البنوك لها رأي يخالف هيئة بنوك أخرى في سهم معين، مع إمكانية أن يطرح احدهم سؤالا: كيف يكون الخلاف سائغا وهو معتبر ما دام أنه خارج من علماء معتبرين، مضيفا أنه لو اتبع عامة الناس أيا منهما لم يأثموا، إنما لو علم أن الحاكم أعطاه الشرع الحنيف الحق في رفع الخلاف، مؤكدا أن الاقتصاد أهم الأمور التي يجب أن تتدخل فيه الدولة للحفاظ عليه من خلال مؤسسة النقد العربي السعودي. ويضيف أنه يجب لمؤسسة النقد السعودي أن ترفع الخلاف ولكن بحكم التخصص يطلب منها تشكيل هيئة شرعية عليا لحسم معايير الأسهم وتعميمها على البنوك العاملة، لتنظم أمور المصرفية الإسلامية.
ويتفق عبد الرحمن الجدعان، مدير المراجعة الشرعية في احد البنوك السعودية، مع العفالق في اختلاف آراء كثير من الهيئات الشرعية في المصارف الإسلامية في بعض المسائل الفقهي في ما يتعلق بالتعامل في أسهم الشركات المختلطة التي يكون غرضها الرئيسي مشروع ما.
ويوضح الجدعان أن هذه الشركات ذات الأسهم المختلطة ربما قامت بعمليات اقتراض من البنوك التقليدية بفوائد، التي قد تكون محرمة. فمن حرمها استند الى تحريم وبطلان جميع المعاملات التي يدخلها الربا قليلاً كان أم كثيرا. أما من أجازها فلقد وضع ضوابط معينة بحيث إذا لم تلتزم بتلك الضوابط حكم عليها بالحرمة، ومع أنه اختلف في تلك الضوابط والمعايير إلا أنه تم التوافق حول بعضها.
ومن أهم الضوابط المتفق عليها، والحديث للجدعان، وجوب التخلص من الإيراد المحرم (التطهير) على مالك الأسهم سواء أكان مستثمراً أم متاجراً، ولا يجوز الانتفاع بهذا الإيراد المحرم بأي وجه من وجوه الانتفاع ولا التحايل على ذلك بأي طريق كان.
وبحسب الجدعان تبرز العديد من الآراء والاجتهادات المختلفة عند الحديث عن التطهير ضوابطه ومعاييره، والمتعلقة بنسب تملك أو إيراد العنصر المحرم من إجمالي موجودات أو إيرادات الشركة، مع أهمية إبراء الذمة والابتعاد عن الشبهات في مسألة التطهير. فمن اجتهد من العلماء وأجاز التعامل في أسهم الشركات المختلطة أجازها بشروط وأهمها التطهير، ومن أخذ برأيهم سواء من الأفراد أو المؤسسات عليه الأخذ أيضا بالضوابط التي تحكم التطهير. وتبقى مسألة إتباع الضوابط بالنسبة للأفراد في ذمتهم ومدى فهمهم لهذا الأمر. أما الشركات والمصارف الإسلامية المؤتمنة على أموال المسلمين التي ترفع شعار التوافق مع الشريعة فهي تتحمل المسؤولية مضاعفة بحكم واجبها في تطوير ودعم المصرفية الإسلامية وفي نفس الوقت فهي مؤتمنة من قبل من أودع أمواله فيها لتستثمر في ما هو متوافق مع الشريعة. ومع كل ذلك، يعتقد الجدعان أن بعض المصارف الإسلامية تتهاون في مسألة التطهير مع أنها تعتبر احد الخطوط الفاصلة بين الحلال والحرام، وتبحث عن طرق قد تتحايل بها على ضوابط صرفها. وفي ذلك خطورة من اخذ الهيئات الشرعية في كثير من المسائل الفقهية بمبدأ سد الذرائع، مغلقين على كثير من المسلمين باب الاستثمار في هذه الشركات.
ويشير الجدعان الى عدد من التحديات التي تواجه هذه الصناديق، منها اختلاف المعايير والضوابط المتعلقة بالتطهير، وهذا يفتح مجال للتأويل عند الشركات للتلاعب في قوائمها المالية لتندرج تحت الشركات التي يجوز تداولها.
كما أن اختلاف آلية التطهير قد يفتح مجالا للتلاعب لدى الشركات والمؤسسات المالية لتضمين مبالغ التطهير ضمن أرباحهم المستحقة، بالإضافة إلى ضعف الرقابة بحكم أن أغلب المؤسسات المالية التحقت بالسلك المصرفي الإسلامي مؤخرا فلا يوجد لديها جهاز رقابي شرعي متمكن إلا ما ندر بل حتى الموجود منها الآن لم تنضج تجربته بعد.
التوقيع :